هل الإنترنت "ميت" بالفعل؟ لماذا يشعر بعضنا أن التجربة الرقمية أصبحت أقل إنسانية
يعتقد باحثون أن الإنترنت لم يمت كما يُشاع، بل تزايد تدخل الأنظمة الآلية جعل المنصات الكبرى أقل إنسانية وأكثر ضبابية. رغم استمرار النشاط البشري الرقمي، إلا أن الصدارة الآن للمحتوى المولد بالذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والوكلاء البرمجيين. ظهرت "نظرية الإنترنت الميت" أول مرة في منتديات مثل 4شان، بوصفها فكرة هامشية تعتبر أن أغلب حركة ومحتوى الإنترنت أصبح من إنتاج الآلات وليس البشر. لكن مع انفجار الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الأخيرة، تصاعد الجدل وتحولت النظرية إلى موضوع نقاش أكاديمي وإعلامي واسع، خاصة مع العجز المتزايد عن التمييز بين الإنسان والآلة في الفضاء الرقمي. التقارير التقنية الحديثة تبيّن حجم التحول الهائل: في 2024 وصلت نسبة حركة الروبوتات إلى 51% من الإنترنت لأول مرة، متجاوزة عدد البشر المتصلين فعليًا. كما أن عدد المقالات والمنشورات التي ينتجها الذكاء الاصطناعي أصبح يفوق المنشورات البشرية. هذا جعل كثيرين يشعرون أن الإنترنت بات بيئة ساكنة، باهتة، تهيمن عليها أنماط تفاعلات تماثلية وميتة، رغم استمرار نشاط البشر خلف الكواليس. التغيرات في المشهد الرقمي باتت صعبة القياس، لكن آثارها تظهر بوضوح؛ فقدرت تقارير 2025 أن 64% من حسابات منصات كبرى مثل X (تويتر سابقًا) قد تكون حسابات روبوتية، مسؤولة عن غالبية التفاعل في أوقات الذروة. في المقابل، ترجح التقديرات وجود 95 مليون حساب مزيف أو آلي على إنستغرام. يشير باحثو علم الاجتماع إلى أن القلق الأساسي يكمن في تلاشي الإشارات الطبيعية التي كنا نعتمد عليها لاكتشاف الإنسان خلف الشاشة. عندما تقلّد الآلات هذه الإشارات ببراعة، يبدأ المستخدمون في الشك والانسحاب نحو قنوات أصغر وأكثر خصوصية مثل الديسكورد والمجموعات المغلقة. وصف بعض الدراسات الحديثة الشبكات الاجتماعية الكبرى بأنها أصبحت بيئة مدفوعة آليًا، تُنتج فيها الروبوتات ما بين 40% و60% من تفاعل الشركات والأفراد. إذ تستخدم الأساليب الآلية في التجميع، التلاعب، رفع التعليقات والإعجابات، وخلق انطباع مزيف بالحيوية البشرية. ينبّه خبراء التكنولوجيا إلى أن التحول لم يعد فقط تقنيًا، بل اقتصاديًا أيضًا: تتبع منصات الإنترنت حوافز السوق، حيث يصبح إنتاج المحتوى المزيف والمتكرر أرخص وأكثر ربحية، مما يحفز المنصات على الاستمرار في تغذية "مزارع روبوتية" تنتج نصوصًا وصورًا وفيديوهات يبدو ظاهرها إنسانيًا لكنها في جوهرها آلية. الموجة التالية التي تلوح في الأفق هي الفيديو الآلي، حيث تُمكّن أدوات الذكاء الاصطناعي الحديثة مثل Sora وVeo من إنتاج فيديوهات شديدة الواقعية من مجرد نصوص، مما يفاقم حالة الضباب الرقمي والمحتوى المكرر وغير الموثوق. تسعى مشاريع بلوكتشين وهويات رقمية موثقة للحد من هيمنة الروبوتات عبر ربط كل نشاط رقمي بإنسان حقيقي، لكن هذه الحلول ما زالت في بدايتها وقد تواجه تحديات عملية في الانتشار والتأثير. في النهاية، لم يختف البشر من الإنترنت، لكن تقدم الذكاء الاصطناعي وتسارع أتمتة التفاعل جعلا التجربة على المنصات العامة أقل دفئًا وضجيجًا وأكثر غموضًا، ودفعت الكثيرين للبحث عن بيئات رقمية أكثر صدقًا وخصوصية. مصطلحات أساسية:- نظرية الإنترنت الميت: الاعتقاد بأن غالبية محتوى ونشاط الإنترنت أصبح أوتوماتيكيًا ومولَّدًا بالذكاء الاصطناعي.
- الروبوتات (Bots): برامج تكرر المهام البشرية تلقائيًا على الإنترنت.
- الوكلاء البرمجيون (Agents): أنظمة برمجية مستقلة تنفذ عمليات معقدة كالشراء أو التفاعل نيابة عن المستخدمين.
- المحتوى المولَّد آليًا: نصوص، صور، أو فيديوهات ينتجها الذكاء الاصطناعي بوتيرة وهندسة غير بشرية.